فصل: الخبر عن بني كمي احد بطون بني القاسم بن عبد الواد وكيف نزعوا إلى بني مرين وما صار إليهم بنواحي مراكش وأرض السوس من الرياسة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.مسير أبي زيان بن أبي حمو لحصار تلمسان ثم اجفاله عنها ولحاقه بصاحب المغرب:

كان السلطان أبو حمو قد ولى على الجزائر ابنه أبا زيان لما عاد إلى ملكه بتلمسان وأخرج منها أبا تاشفين فلما قتل أبو حمو بالغيران كما قلناه وخرج أبو زيان من الجزائر ناجيا إلى أحياء حصين يؤمل الكرة بهم والأخذ بثأر أبيه وأخيه فاشتملوا عليه وأجابوا صريخه ثم وفد عليه أمراء بني عامر من زغبة يدعونه لملكه فسار إليهم وقام بدعوته وطاعته شيخهم المسعود بن صغير ونهضوا جميعا إلى تلمسان في رجب سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة فحاصروها أياما وسرب أبو تاشفين المال في العرب فافترقوا على أبي زيان وخرج إليه أبو تاشفين فهزمه في شعبان من السنة ولحق بالصحراء واستألف أحياء المعقل وعاود حصار تلمسان في شوال وبعث أبو تاشفين ابنه صريخا إلى المغرب فجاءه بمدد من العسكر ولما انتهى إلى تاوريرت أفرج أبو زيان عن تلمسان وأجفل إلى الصحراء ثم أجمع رأيه على الوفادة إلى صاحب المغرب فوفد عليه صريخا فتلقاه وبر مقدمه ووعده النصر من عدوه وأقام عنده إلى حين مهلك أبي تاشفين والله تعالى أعلم.

.وفاة أبي تاشفين واستيلاء صاحب المغرب على تلمسان.

لم يزل هذا الأمير أبو تاشفين مملكا على تلمسان ومقيما فيها لدعوة صاحب المغرب أبي العباس ابن السلطان أبي سالم ومؤديا للضريبة التي فرضها عليه منذ أول ملكه وأخوه الأمير أبو زيان مقيم عند صاحب المغرب ينتظر وعده في النصر عليه حق تغير السلطان أبو العباس على أبي تاشفين في بعض النزعات الملوكية فأجاب داعي أبي زيان وجهزه بالعساكر لملك تلمسان فسار لذلك منتصف سنة خمس وتسعين وسبعمائة وانتهى إلى تازى وكان أبو تاشفين قد طرقه مرض أزمن به ثم هلك منه في رمضان من السنة وكان القائم بدولته أحمد بن العز من صنائعهم وكان يمت إليه بخؤلة فولى بعده مكانه صبيا من أبنائه وقام بكفالته وكان يوسف بن أبي حمو وهو ابن الزابية واليا على الجزائر من قبل أبي تاشفين فلما بلغه الخبر أغذ السير مع العرب ودخل تلمسان فقتل أحمد بن العز والصبي المكفول ابن أخيه تاشفين فلما بلغ الخبر إلى السلطان أبي العباس صاحب المغرب خرج إلى تازى وبعث من هناك ابنه أبا فارس في العساكر ورد أبا زيان بن أبي حمو إلى فاس ووكل به وسار ابنه أبو فارس إلى تلمسان فملكها وأقام فيها دعوة أبيه وتقدم وزير أبيه صالح بن حمو إلى مليانة فملكها وما بعدها من الجزائر وتدلس إلى حدود بجاية واعتصم يوسف ابن الزابية بحصن تاحجموت وأقام الوزير صالح يحاصره وانقرضت دعوة بني عبد الواد من المغرب الأوسط والله غالب على أمره.

.وفاة أبي العباس صاحب المغرب واستيلاء أبي زيان بن أبي حمو على تلمسان والمغرب الأوسط.

كان السلطان أبو العباس بن أبي سالم لما وصل إلى تازى وبعث ابنه أبا فارس إلى تلمسان فملكها وأقام هو بتازى يشارف أحوال ابنه ووزيره صالح الذي تقدم لفتح البلاد الشرقية وكان يوسف بن على بن غانم أمير أولاد حسين من المعقل قد حج سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة واتصل بملك مصر من الترك الملك الظاهر برقوق وتقدمت إلى السلطان فئة وأخبرته بمحله من قومه فأكرم تلقيه وحمله بعد قضاء.

.حجة هدية إلى صاحب المغرب يطوقه فيها بتحف من بضائع بلده عادة الملوك.

فلما قدم بها يوسف على السلطان أبي العباس عظم موقعها وجلس في مجلس جعله لعرضها والمباهاة بها وشرع في المكافأة عنها بتخير الجياد والبضائع والثياب حتى استكمل من ذلك مارضيه واعتزم على انفاذها مع يوسف بن علي حاملها الأول وأنه يرسله من تازى أيام مقامته هناك فطرته هنالك مرض كان فيه حتفه في محرم سنة ست وتسعين وسبعمائة واستدعوا ابنه أبا فارس من تلمسان فبايعوه بتازى وولوه مكانه ورجعوا به إلى فاس وأطلقوا أبا زيان بن أبي حمو من الاعتقال وبعثوا به إلى تلمسان أميرا عليها وقائما بعد السلطان أبي فارس فما فسار إليها وملكها وكان أخوه يوسف بن الزابية قد اتصل بأحياء بني عامر يروم ملك تلمسان والاجلاب عليها فبعث إليهم أبو زيان عندما بلغه ذلك وبذل لهم عطاء جزيلا على أن يبعثوا به إليه فأجابوه إلى ذلك وأسلموه إلى ثقات أبي زيان وساروا به فاعترضهم بعض أحياء العرب ليستنقذوه منهم فبادروا بقتله وحملوا رأسه إلى أخيه أبي زيان فسكنت أحواله وذهبت الفتنة بذهابه واستقامت أمور دولته وهم على ذلك لهذا العهد والله غالب على أمره.
وقد انتهى بنا القول في دولة بني عبد الواد من زناتة الثانية وبقي علينا خبر الرهط الذين تحيزوا منهم إلى بني مرين منذ أول الدولة وهم بنو كمي من فصائل علي بن القاسم إخوة طاع الله بن على وخبر بني كندور أمرائهم بمراكش فلنرجع إلى ذكر أخبارهم وبها نستوفي الكلام في أخبار بني عبد الواد والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.

.الخبر عن بني كمي احد بطون بني القاسم بن عبد الواد وكيف نزعوا إلى بني مرين وما صار إليهم بنواحي مراكش وأرض السوس من الرياسة:

قد تقدم لنا أول الكلام في بني عبد الواد أن بني كمي هؤلاء من شعوب القاسم وأنهم بنو كمي بن يمل بن يزكن بن القاسم إخوة طاع الله وبني دلول وبني معطي دلول وبني معطي بن جوهر بن علي وذكرنا ما كان بين طاع الله وبين إخوانهم بني كمي من الفتنة وكيف قتل كندوز بن عبد الله كبير بني كمي زيان بن ثابت بن محمد كبير بني طاع الله وأن جابر بن يوسف بن محمد القاسم بالأمر من بعده ثار منهم بزيان وقتل كندوزا غيلة أو حربا وبعث برأسه إلى يغمراسن بن زيان فنصب عليها أهل بيته القدور شفاية لنفوسهم واستمر الغلب بعدها على بني كمي فلحقوا بحضرة تونس وكبيرهم إذ ذاك عبد الله بن كندوز ونزلوا على الأمير أبي زكريا حتى كان من استيلائه على تلمسان ما قدمنا ذكره وطمع عبد الله في الاستبداد بتلمسان فلم يتفق ذلك ولما هلك مولانا الأمير أبو زكريا وولي ابنه المنتصر أقام عبد الله صدرا من دولته ثم ارتحل هو وقومه إلى المغرب ونزل على يعقوب بن عبد الحق قبل فتح مراكش فاهتز يعقوب لقدومه وأحله بالمكان الرفيع من دولته وأنزل قومه بجهات مراكش وأقطعهم البلاد التي كفتهم مهماتهم وجعل السلطان انتجاع إبله وراحلته في أحيائهم وقدم على رعايتها حسان بن أبي سعيد الصبيحي وأخاه موسى وصلا في لفيفه من بلاد المشرق وكانا عارفين برعاية الإبل والقيام عليها وأقاموا يتقلبون في تلك البلاد ويتعدون في نجعتها إلى أرض السوس وأوفد يعقوب بن عبد الحق عبد الله بن كندوز هذا على المنتصر صاحب إفريقية سنة خمس وستين وستمائة مع عامر ابن أخيه إدريس كما قدمناه والتحم بنو كمي ببني مربن وأصبحوا إحدى بطونهم وهلك عبد الله بن كندوز وصارت رياستهم من بعده لابنه عمر بن عبد الله فلما نهض بوسف بن يعقوب بن عبد الحق إلى المغرب الأوسط وشغل بحصار تلمسان وتحدث الناس بما نزل بعبد الواد من بني مرين أخذت بني كمي الحمية وامتعضوا لقومهم وأجمعوا الخلاف والخروج على السلطان ولحقوا بحاجة سنة ثلاث وسبعمائة واستولوا على بلاد السوس فخرج إليهم أخو السلطان الأمير بمراكش يعيش بن يعقوب فناجزوه الحرب بتادارت وغلبوه واستمروا على خلافهم ثم عاود محاربتهم بتامطولت سنة أربع وسبعمائة بعدها فهزمهم الهزيمة الكبرى التي قصت جناحهم وقتل عمر بن عبد الله وجماعة من كبرائهم وفروا أمامه إلى الصحراء ولحقوا بتلمسان وهدم يعيش بن يعقوب تارودنت قاعدة أرض السوس وأقام بنو كندوز بعدها بتلمسان نحوا من ستة أشهر ثم توجسوا الغدر من ولد عثمان بن يغمراسن فرجعوا إلى مراكش واتبعهم عساكر السلطان وأبلى منهم في القتال عنهم محمد بن أبي بكر بن حمامة بن كندوز وخلصو إلى منجاتهم مشردين بصحراء السوس إلى أن هلك السلطان يوسف بن يعقوب وراجعوا طاعة الملوك بالمغرب فعفوا لهم عما سلف من هذه الجزيرة وأعادوهم إلى مكانهم من الولاية فأمحضوا النصيحة والمخالصة وكان أميرهم من بعد عمر ابنه محمد وأقام في إمارتهم سنين ثم ابنه موسى بن محمد من بعده كذلك واستخلصه السلطان أبو الحسن أيام الفتنة بينه وبين أخيه أبي علي لعهد أبيهما السلطان أبي سعيد ومن بعده فكانت له في المدافعة عن نواحي مراكش آثار وأيام ثم هلك موسى بن محمد فولى السلطان أبو الحسن مكانه ابنه يعقوب بن موسى ولما غلب على تلمسان وأصار بني عبد الواد في خوله وجنوده تمشت رجالاتهم وساموا أشجانهم حتى إذا كانت واقعة القيروان وتواقف السلطان وبني سليم داخلهم يعقوب بن موسى في أن ينخذل عن السلطان إليهم ببني عبد الواد ومن إليهم من مغراوة وتوجين وأوعدهم لذلك ثم مشى في قومه وكافة بني عبد الواد فأجابوه إلى ذلك ولحقوا جميعا ببني سليم فجروا بذلك الهزيمة على السلطان وكانت نكبة القيروان المشهورة ولحقوا بعدها بتلمسان وولوا أمرهم في بني يغمراسن وهلك يعقوب بن موسى بإفريقية ولحق أخوه رحو بالمغرب وكان السلطان أبو عنان قد استعمل على جماعتهم وعملهم عبو بن يوسف بن عمد وهو ابن عمهم دنيا فأقام فيهم كذلك حتى هلك فولي من بعده ابنه محمد بن عبو وهم على ذلك لهذا العهد يعسكرون للأمير بمراكش ويتولون من خدمة السلطان هنالك ما لهم فيه الغناء والكفاية فكأنهم بمعزل عن بني عبد الواد لاستحكمام العداوة بمقتل زيان بن ثابت والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين لا رب غيره ولا معبود سواه.